التحفظ المحاسبي

نستعرض في هذة التدوينة ماذا يقصد بالتحفظ المحاسبي و علاقته بالمعايير المحاسبية , و أنواع التحفظ المحاسبي و بالإضافة إلى ابعاد التحفظ المحاسبي فى زيادة المعلومات و البيانات المحاسبية .

التحفظ المحاسبي

تعريف التحفظ المحاسبي

التحفظ المحاسبي

يعتبر التحفظ المحاسبي  من المفاهيم المبدئية المؤثرة في الممارسات المحاسبية بصدد التقييم والإفصاح، ففي ظل عدم التأكد، بشأن الأرباح المستقبلية وتوقع أن تكون القيمة الدفترية للأصول أقل من القيمة السوقية/العادلة بشكل يثير مخاوف في سياق إعداد القوائم ذات الجودة، يحق حينئذ توخي الحذر والحيطة من خلال ما تتيحه الأساليب المحاسبية لمجابهة واستيعاب هذه المخاطر، من دون أن ييفي ذلك إلى بخس متعمد في قيم الأصول والدخل أو تشويه لجودة القوائم المالية الموجهة للنشر.

فالتحفظ المحاسبي ينطوي على تطبيق المعايير المحاسبية الأشد حذرا وصرامة عند الاعتراف بالأرباح في حالة الشك والغموض، ويتحقق ذلك بالوجه المطلوب بواسطة الاعتراف فورا بالمصاريف التي حدثت والتي من المحتمل أن تحدث كخسائر أنباء سيئة (وإن كان النبأ المخبر عنها سنده متوسط أو ضعيف) ، وتأجيل الاعتراف بالإيرادات المكاسب  وتسجيلها فقط حين تحققها  ( حتى مع وجود السند المؤيد لإمكانية حدوثها ) .

ومن جانب آخر، يتجلى دور التحفظ المحاسبي بشأن الأصول التي يمكن أن تتهاوى قيمتها الصافية عن القيمة السوقية لها على المدى الطويل . وعليه، يفيل جمهور المحاسبين، على الأقل كعرف إن لم تصرح المعايير والتنظيمات المحاسبية المعمول بها به، تخفيض العناصر الإيجابية في القوائم المالية (الأصول، الإيرادات، الدخل) باعتماد القيمة الأقل من بين القيم المحتملة لها، والأخذ في الحسبان العناصر السلبية (الالتزامات، المصاريف والخسائر) باعتماد القيمة الأعلى  من بين القيم المحتملة .

أنواع التحفظ المحاسبي

بمعاينة الأدبيات المحاسبية ومتابعة تطور الفكر المحاسبي يمكن تمييز نوعين أو سمتين للتحفظ المحاسبي

* التحفظ غير المشروط  يطلق عليه أيضا التحفظ القبلي  أو التحفظ المستقل في بعض الأحيان ، وتتمثل في اختيار ممارسة محاسبية معينة منذ البداية عند معالجة الأصل أو الالتزام من تسريع الاعتراف بالخسائر الاقتصادية ، بحيث تظهر القيمة الدفترية لصافي الأصل أقل من القيمة السوقية لها على مدار عمر هذا الأصل، وبذات القاعدة على الالتزامات. 

على سبيل المثال : يتم معالجة مصاريف البحث والتطوير كمصاريف على الربح المحاسبي عوض رسملتها وإظهارها في الميزانية كأصل ؛ أو اختيار طريقة الإهلاك المعجل محل طريقة القسط الثابت في حساب لإهلاك تثبيتات مادية ؛

* التحفظ المشروط  يطلق عليه أحيانا ب"التحفظ البعدي أو "التحفظ المعتمد حيث يتم تخفيض القيمة الدفترية لصافي الأصل فقط عند التعرض لظروف غير مواتية على أن لا يتم الإجراء المناقض حال حدوث ظروف مرغوبة بزيادة القيمة الدفترية الصافية للأصل. 

وأمثلة ذلك : اتباع طريقة المقارنة "التكلفة القيمة السوقية" أيهما أقل في التقييم المحاسبي للمخزون وسياسة معالجة انخفاض قيمة الأصول الثابتة.

في هذا الصدد دائما، ننوه بأنه لا يمكن عمليا الفصل بين النوعين المذكورين سابقا وجعل كل واحد مستقلا عن الآخر، كونهما متكاملين ومترابطين برابطة وثيقة جدا في تكوين سياسة التحفظ المحاسبي عموما، و كونهما يشتركان في نفس المجموعة من الدوافع. 

وعليه، معظم الدراسات والأدبيات المحاسبية والقانونية ذات الصلة بهذا الموضوع لم تميز بين هذين النوعين في تحديد طبيعة أثر هذا النوع من ذاك على المجال البحثي المستهدف، و تكتفي بوصف وتحليل مقاييس التحفظ المحاسبي، وبوجه عام على الهدف المقصود بالبحث، و سنشير إلى جانب من ذلك في هذه الدراسة.

 أبعاد التحفظ المحاسبي

ترتبط الحاجة إلى التحفظ المحاسبي بالحاجة إلى زيادة قيمة المعلومات المالية والمحاسبية، التي هي بمثابة مخرجات للنظام المحاسبي للمؤسسة ، حيث أن :

  • علاقة الملكية بالإدارة : عادة ما ترتبط الحوافز والمكافآت التي يتلقاها المديرين بمستويات الأداء والناجعة التي تحققها الشركة على الفترة، وتعتبر المقاييس المحاسبية للأداء المرجعية أو الأرضية الأساسية لتحديد هذه الحوافز بعدالة، لاسيما مقياس الربح، لذلك يمكن ان تندفع الإدارة إلى بعض التصرفات التي تؤدي إلى زيادة الأرباح في المدى القصيرة بسياق قد يقوض من قيمة الشركة مستقبلا ومن استمراريتها وفق الظاهرة المعروفة ب"إدارة الأرباح وعليه، تطبيق التحفظ المحاسبي في الإعلان عن النتائج الجيدة للشركة ضمن القوائم المالية سييفي إلى تعزيز ثقة مستخدمي القوائم المالية ويرقي قدرتهم على استشراف تطور المركز المالي للمؤسسة ومتابعة نتائج أعمالها، بالتأكيد مع احترام مبدئي الموضوعية والشفافية ووسم القوائم المالية بالموثوقية والصدق، بالشكل الذي يقوض احتمال نشوء نزاع أو نزاعات بين المساهمين والمديرين في ظل الظاهرة المعروفة تكلفة.

  • الوكالة :  وهي في هذه الحالة سعي المساهمين لتقليل من السلوكيات الانتهازية للمديرين عند إعلانهم لنتائج مفرطة التفاؤل، لاسيما في الشركات التي تنفصل فيها الإدارة عن الملكية من خلال التفويض/الوكالة كشركات المساهمة والشركات العملاقة والشركات المتعددة الجنسيات. فالتحفظ المحاسبي بمعناه الدقيق يشكل دليلا قويا لصالح المديرين على عدم تغليب مصالحهم الشخصية ) وهي البقاء في الكرسي وتلقي المحفزات والمكافئات ( على حساب مصالح الملاك، وبهذا يجنبهم المساءلة القانونية مقارنة بالحالة التي يعملون فيها سهوا أو ينتهكون فيها عمدا متطلبات التحفظ، بأن لا يتم الاستفادة من مزايا وخيارات المحاسبة (التحفظ) من أجل التحكم في المخاطر المبررة .

  • إبراء الذمة من الديون وتلافي ضغوط المديونية : إذا كان التحفظ المحاسبي من مغزاه هو تبكير الاعتراف بالخسائر (باحتمال انخفاض الأرباح أو القيمة الدفترية الصافية للأصل عن القيمة السوقية) وتأخير الاعتراف بالإيرادات إلى وقت حدوثها، فإن هذه الطريقة ستؤدي إلى دعم وضعيات السيولة من وجهة نظر الدائنين، من خلال انتهاج سياسة محاسبية صارمة في الاعتراف بالأرباح ومن ثمة في توزيع الأرباح على المساهمين بالنمط الذي يقوي الموارد الذاتية للكيان فسيولته، مما يعظم للشركة فرص الوفاء بالتزاماتها عند استحقاقها ويمنع الدائنين من المطالبة بمستحقاتهم وفق البنود التعاقدية والأحكام القانونية ذات الصلة باسترداد الديون، أو مساندتها إذا  أقدمت على طلب قروض جديدة .

  •  حوكمة الشركات :  يعتبر التحفظ المحاسبي أداة فعالة من أدوات حوكمة الشركات في يد مجلس الإدارة، باعتباره المسؤول الأول عن ترسية مبادئ الحوكمة بين الأطراف ذوي المصالح المختلفة والأطراف ذوي العلاقة بالمؤسسة، فيمكنه الارتكاز على التحفظ المحاسبي لتحقيق فيهم مؤسساتية ومهنية فترقيتها على الشركة محل إدارته.
  • جودة الأرباح :  يمكن استخدام التحفظ المحاسبي كأداة لضمان جودة القوائم المالية المعدة للإفصاح، لاسيما في معطى جودة الأرباح، وتترجم نوعية الأرباح بقدرة المستثمرين على التنبؤ بالأرباح المستقبلية غير العادية بدقة عالية بالاعتماد على الزخم المتاح الآن من المعلومات عن الأرباح الحالية على نحو يضمن استمرارية متابعتها حاليا ومستقبلا من طرف المحلل المالي؛ وتعتبر نوعية الأرباح مؤشرا حاسما لتمييز طبيعة السياسة المحاسبية كونها: "سياسة اندفاعية أو "سياسة دفاعية " حيث تشير عديد الدراسات إلى أن الأرباح تكون ذات نوعية أعلى في ظل التحفظ المحاسبي مقارنة بالأرقام الممكنة في حالة السياسة الهجومية التي لا تعطي أولوية للتحفظ ؛ كما يمكن توظيف مفهوم نوعية الأرباح كمقياس لاستنتاج وجود/انتفاء الممارسات الاحتيالية والحالات المشبوهة من القوائم المالية المنشورة المجملة في سياق إدارة الأرباح، ونستدل على الموقف الحسن بأن تخلو الأرباح من المغالطات والمبالغات والأرقام الاحتمالية غير المبررة  ويلاحظ في السنوات الأخيرة التوجس المشروع للمستثمرين في الأسواق المالية من البيانات المعلنة من قبل الشركات المستهدفة عن صافي الربح بالنظر على كثرة الفيائح المالية والمحاسبية التي طالت أكبر الشركات العالمية، فهم أكثر حذرا في إدراج هذه الرقم في معادلات التحليل المالي لتقييم/تقدير العائد والمخاطرة على استثماراتهم.

  • ضبط إجراءات ترميم النتائج : تمثل حالة ترميم النتائج، المحاسبية والحقيقية، حالة خاصة من التعديل المتعمد للمعلومة المالية، وتتألف هذه العملية من مجموعة من الممارسات التي يتم تنفيذها بشكل مقصود كي يتم نشر تشكيلة من النتائج تحمل تباينا ضعيفا، بين الواقعين المحاسبي والحقيقي، ويتحقق ذلك بالطرق المشروعة ( أي باحترام تعاليم وأحكام التنظيم المحاسبي السائد من دون اختراق قواعده ) التالية : الإهلاك، المخصصات، التسيير المحاسبي للأعباء والإيرادات المثبتة مسبقا . وعمليا يتصل موضوع ترميم النتائج بالخيارات المحاسبية التي توفرها سياسة التحفظ و باتجاه الشركة للمشاركة بفعالية في عالم البورصات، وقد لا يظهر في التقارير المالية التي تفصح عنها بشكل واضح وصريح حيث يستخدم المحل "اختبارات الوجود من أجل تحديد الحالة وتقدير التباين و"اختبارات الحساسية لإدراك التأثيرات بين النتائج و الإيرادات/المصاريف، وبالنتيجة استنتاج أدلة قوية تميز التلاعبات المحاسبية المتوارية وراء تصرفات الترميم ومن ثمة ضمان عدم إساءة استخدام سياسة التحفظ لأغراض غير سوية .

  •  فعالية الرقابة وجودة خدمات التأكيد : تتفق الجهات الرقابية، سواء كانت داخلية (مجلس الإدارة، لجنة التدقيق، التدقيق الداخلي، التدقيق الخارجي، هيئة الاشراف على سوق الأوراق المالية، الدائنين، هيئة الضرائب، وكالة التصنيف الائتماني على أهمية خلو القوائم المالية التي هي بمثابة مخرجات للنظام المحاسبي من أخطاء السهو والجهل والأخطاء المقصودة، إذ تساهم جميعها في تحريف الحقيقة وإعطائه صورة واهمة واهية لمتخذ القرار، وبربط هذه الأمور بمسألة التحفظ المحاسبي.

  • المطابقة والامتثال : يبرز دافع المحاسبين والإدارة للامتثال إلى متطلبات المعايير المحاسبية والأطر القانونية  والتنظيمية لتطبيق التحفظ المحاسبي من باب أولى باعتبار أن تكلفته الاقتصادية لا تقارن ولا ترقى إلى تكلفة التعويضات المعنوية والمادية التي تتكبدها المؤسسة قد تكون ممولة من المخزون النقدي للمؤسسة أو بواسطة شركات التأمين بناء على بنود العقد الذي بينها وبين المؤسسة من عدم تطبيق التحفظ  .

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-